top of page

ولاد أبو جاموس

ولاد أبو جاموس.jpg

سامح مبروك يكتب " ولاد أبو جاموس " من سلسلة ترندات وتوباكو*.

 

"كفر ولاد أبو جاموس" تلك القرية الصغيرة التي تقع على أطراف محافظة الخيال ولا يفصلها عن محافظة الواقع سوى شريط حدودي رفيع، وعلى الرغم من ذلك فدائمًا يختلط فيها الخيال بالواقع والحابل بالنابل ولكن أبدًا لم ولن يختلط أو يلتحم أبناء علوان أبو جاموس بأبناء صفوان أبو جاموس.

علوان وصفوان أبناء العم الذين استوطن جدهم الأكبر تلك البقعة وسميت باسمه من أزمان بعيدة، وعلى الرغم من اتصال الدم والرحم إلا أن السلطة والمصلحة والنفوذ كان لهم رأي آخر، ففرقت الأطماع ما وحدَّه الدم، وقطع الجشع ما وصله الرحم.

 

وتوارث الأبناء جيلا بعد جيل تلك الفرقة وهذه العصبية، حتى صارت العائلة الواحدة عائلتين متناحرتين متنافستين في كافة المناحي، وأصبح هاتف العمودية الشهير الصيد الثمين الذي يسعى وراءه كل طرف من أطراف العائلة ويجيش من أجله الجيوش ويتخذ من التدابير ما صلح منها وما فسد لنيل تلك الغنيمة الكبرى مهما كانت العواقب.

 

وفي ليلة عاصفة، كانت الأخبار المتلاحقة فيها تلاعب وتحرك الناس المزروعين في الشوارع كما الأشجار في انتظار الخبر اليقين، لمن سيؤول الهاتف المجيد؟ وأتى الخبر المشؤوم على عائلة صفوان، حيث كان ينتظر كبير العائلة في هذا الوقت الحاج صلاح صفوان أبو جاموس أن ينام قرير العين ويظل التليفون في بيته الذي سيظل دوار العمدة، إلا أنه وفي نفس الليلة أتى أتباع الحاج علي علوان أبو جاموس وأخذوا التليفون في مشهد احتفالي مملوء بالرقص والطبل والزمر والصخب الشديد، بعدما آلت إليهم العمودية في تلك الليلة، كانت هذه هي ذات المراسم الأسطورية التي التي تصاحب انتقال "التلافون" كما يدعونه من بيت العمدة القديم لبيت العمدة الجديد، وحتى إن أصبحت الهواتف محمولة وأغرقت موجات الإنترنت العالم أجمع، سيظل التلافون ولو كان قطعة أثرية هو رمز العمودية.
 

فسقط الحاج صلاح على إثر خسارة العمودية حزنًا وكمدًا في غيبوبة طويلة، ها هو قد أتم سنته الثالثة بها منذ أيام.

 

وبينما كانت صفية حفيدته تمرضه وتسهر على العناية كلما تسنى لها هذا، لا سيما أنها الطبيبة الوحيدة بالعائلة وسفيرة آل صفوان في مجالات الصحة والطب، وجدته يستفيق من غيبوبته ويفتح عينيه ببطء، استبشرت صفية الخير وملأها الأمل والفرح واستمرت في رعايته حتى جلس واستعاد بعضًا من عافيته ودار بينهما هذا الحوار:

 

> شكرا يا بنتي، هو أنا نايم بقالي كتير؟

>> الشكر لله يا حاج، حمد الله على سلامتك ألف سلامه، معلش فترة وعدت.

> الحمد لله على كل شيء يا بنتي، كل اللي يجيبه ربنا خير، الحمد لله المؤمن ديمًا مصاب، انتي مين يا بنتي؟

>> أنا صفية بنت صالح.

> ما شاء الله كبرتي وبقيتي عروسة يا صفية، واضح إني غبت كتير فعلا، إلا صحيح يا صفية هو التلافون في دار مين دلوقتي؟

>> لسه في دار علوان يا حاج.

> لا حول ولا قوة إلا بالله، نصر ربنا قريب يا بنتي، ربنا عمره ما يرضى بالظلم والفساد والطغيان، إن شاء الله ربنا هينصرنا ويرد لنا حقنا آجلًا أو عاجلًا، ولسه في بيت علي أبو علوان؟

>> لا يا حاج، علي أبو علوان تعيش انت، جاله مرض جديد اسمه كورونا ومات.

> الله أكبر، لا إله إلا الله، مش قولتلك يا بنتي ربنا هينصرنا، اهو خد جزاءه في الدنيا وفي الآخرة، اللهم كما أحللت عليه غضبك وعذابك في الدنيا، أدم عذابه في الآخرة، اللهم انت كريم يا رب.

>> لا حول ولا قوة إلا بالله، استغفر ربنا يا حاج، دا هو بردو في دار الحق واحنا في دار الباطل، المفروض يعني لا شماتة في الموت، وبردو الراجل كان له ما له وعليه ما عليه.

> لا يا بنتي من حقنا نشمت ونفرح طبعًا بموت الفاسدين، المهم عمك سامي عامل إيه؟

>> مات هو كمان يا حاج الله يرحمه بنفس المرض.

> يا حبيبي، لا حول ولا قوة إلا بالله، مات مبطون، طلب الشهادة ونالها، وهذا جزاء الصالحين يا بنتي.

>> مبطون إيه بس يا حاج دي الكورونا بتيجي في الصدر.

> يا حبيبتي إن شاء الله شهيد، ومين يا بنتي العمدة دلوقتي؟

>> سعيد أبو علوان يا حاج.

> الاكتع، لا حول ولا قوة إلا بالله، صحيح كل ذي عاهة جبار، إزاي يا بنتي يمسكوا واحد اكتع العمودية؟ هما السُلام خلصوا؟

>> حكمة ربنا يا حاج.

> لا يا بنتي دا تدبير ومكر البشر ونتاج أعمالهم وبلاويهم، هو أنا مش قادر احرك ايديا ورجليا ليه؟

>> إنت كنت في غيبوبة كاملة من ثلاث سنين يا حاج وكان فيه جلطة في المخ للأسف سببت شلل.

> الحمد لله، اللهم لك ألف حمد وشكر يا رب، ديمًا فاكرني يا رب، يا بنتي المؤمن ديمًا مبتلى وخير دواء للبلاء الصبر، الحمد لله على نعمك وفضلك يا رب، أومال فين الحاجة صبحية مراتي يا بنتي؟

>> معلش يا حاج، البقاء لله ماتت والله حزنًا عليك بعد سنة من الغيبوبة.

> يالا الله يسهلها مطرح ما راحت، أراحت واستراحت، آي والله.

>>جرا إيه يا حاج ما تتقي الله، دا انت لسه على فراش المرض، مش خايف من ربنا يسخطك زي ما كنت تاني باللي عمال تقوله من ساعة ما صحيت دا؟

> إنتي يا بت انتي بنت صالح صح؟ عمره ما كان صالح والله، وعرق علوان النجس داسس فيه وفيكي، غوري من قدامي يا بت جاكي خابط.

>> بقا انت بتقولي اني غوري وجاكي خابط؟ إما إنك راجل ناقص صحيح، دا أني بخدم فيك بقالي ثلاث سنين وفي الآخر بتطردني، صحيح يا ولاة، آخرة خدمة الغز علقة.

> أنتي بتقولي عليا ناقص يا بنت صالح، اخصفوص عليكي عديمة الرباية زي أبوكي، غوري من قدامي يا به، بدل ما اجز رقبتك بالشرشره.

>> أبويا دا انضف واحد فيكوا يا عيلة هزء، طيب بص بقا يا حاج صلاح، وحاج ليه، بص يا صلاح، انا هغور ومش هرجع، وإلهي انت كمان تغور ما ترجع، عيلة تعر صحيح من أصغركم لصفوان الكبير، جكتوا الغم.

> انتي بتغلطي في سيدك صفوان يا بجحة؟ إلا سيدك صفوااان، إلا سيدك صفوااااان.

 

وأثناء انفعاله الشديد حاول النهوض من مرقده إلا أن جسده لم يكن في طوعه، ومن هول الانفعال والعصبية عاودته الجلطة ثانية، وذهب من جديد في ثبات عميق، فقامت صفيه بهدوء وحمدت الله أنها لم تخبر أحدًا باستفاقته الخاطفة، وظلت تنظر إليه وهو طريح الفراش من جديد وتقول:

>> روح يا شيخ، انت اللي زيك غيبوبته رحمة للبشرية كلها -الله وكيل-، حسبي الله ونعم الوكيل فيك وفي أمثالك.

* ترندات وتوباكو هي مقالات في هيئة قصص قصيرة مستوحاة من ترندات فضاء المنصات الاجتماعية ولا تمثل أي شخصيات أو أحداث حقيقية.

  • White LinkedIn Icon
  • White Facebook Icon
  • White Twitter Icon
  • White Instagram Icon
logo%20samih%20mabrok2.png
bottom of page