top of page

ابن السفـ *** ـاح 

ابن السفاح -  خارج حدود الادب.jpg

سامح مبروك يكتب:

"ابن السفـ *** ـاح" من سلسلة خارج حدود الأدب.

أعلم أنك قرأت عنوان المقال (السَّفَّاح) بفتح وتشديد السين والفاء، وهي قراءة صحيحة ولكن غير دقيقة. فإذا كسرنا السين وفتحنا الفاء صارت (السِفَاح)، وهنا ينقلب المعنى. ولكن، بالرغم من هذا الانقلاب، إلا أن المعنيين قد لا يتباعدان بل قد يترافقان في حالات محددة.

 

كما شرح (سكوت جيمس) في كتابه "سلاح الضعفاء" فلسفة لجوء المجتمعات المقهورة إلى وسائل غير مباشرة لمقاومة الطغيان، وسائل مثل إطلاق الشائعات والنكات. وفي عشية وضحاها، ينقلب الحاكم الديكتاتور السَّفَّاح إلى رجل مجهول النسب، ابن سِفَاح.

 

ولعل المثال الأبرز في التاريخ لتلك الفلسفة هو (ستالين)، الذي كان رأس الحكم في الاتحاد السوفيتي في الفترة من 1924 إلى 1953 ميلادية. ستالين، الذي انقض على الحكم بعد وفاة (لينين) قائد الثورة البلشفية ومؤسس الاتحاد السوفيتي، أقصى خصومه السياسيين واستحوذ بعدها على السلطة المطلقة.

 

وستالين خير مثال للحاكم الديكتاتور. فقد بدأ عهده بتنفيذ حملات التطهير الكبرى (The Great Purge) ضد المعارضين داخل الحزب والدولة والجيش، حيث تخطت أعداد الضحايا مليون شخص، فضلًا عن سجن ونفي أكثر من مليون ونصف. كما أمعن في سياسات القمع والاضطهاد وتهجير الأقليات، وفرض السياسات التقشفية التي أدت إلى المجاعة الكبرى في أوكرانيا، والتي قُدر ضحاياها بحوالي 3.5 مليون شخص.

 

وأثناء الحرب العالمية الثانية، اتخذ العديد من القرارات العسكرية القاسية مثل عدم إجلاء المدنيين وإعدام الجنود الفارين، مما جعل المؤرخون يقدرون إجمالي ضحايا فترة حكمه ما بين 20 و25 مليون شخص. بذلك، استحق ستالين لقب الديكتاتور السَّفَّاح بامتياز.

 

وأمام هذا الكم من الطغيان، لم يكن بيد المستضعفين في الشعب السوفيتي سوى سلاح الضعفاء كما سماه (سكوت جيمس). فراحوا يشككون في نسب ستالين، حيث كان لأبوين فقيرين من جورجيا، وبدأوا يطلقون الشائعات أنه في الحقيقة ابن سِفَاح، ونتاج علاقة آثمة بين أمه وأحد نبلاء جورجيا، مما سهَّل له الوصول إلى الحكم.

 

وبعد قرن تقريبًا على بداية حكم ستالين، تعود العقدة التاريخية نفسها لتنعقد مع تغيُّر الشخصيات والمكان. فقد طالعتنا منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، وسط الأخبار المبهجة من سوريا الحرة، بقصة تتشابه إلى حد التطابق مع قصتنا الأولى.

 

فقد زعمت بعض الروايات أن بشار الأسد هو ابن غير شرعي لأبيه حافظ الأسد، وأن أباه الحقيقي هو القائد العسكري وقائد حزب البعث في ستينيات القرن الماضي (صلاح جديد)، الذي انقلب عليه فيما بعد حافظ الأسد ليبدأ الحقبة الأسدية في سوريا. ويعلل مروجو تلك الشائعات بزوغ نجم حافظ في سماء الجيش والسلطة بمساعدة صلاح جديد بعد تلك الحادثة. ولم يكتفِ هؤلاء بذلك، بل راحوا يدللون على روايتهم بتشابه بشار وصلاح في الملامح وغيرها من التفاصيل.

 

هنا نتفق أن تلك الأخبار مجرد شائعات، وأن بشار قد لا يكون ابن سِفَاح. ولكن، ما يعد حقيقة غير قابلة للدحض، أنه سَّفَّاح ابن سَّفَّاح.

 

فمثلًا، مجزرة حماة عام 1982 تعتبر واحدة من أكبر الجرائم في عهد الأسد الأب، حيث قُتل ما بين 10,000 و40,000 شخص أثناء سحق التمرد الذي قادته جماعة الإخوان المسلمين في مدينة حماة. هذا بخلاف الكم الهائل من القمع والاعتقالات والاغتيالات السياسية والطائفية.

 

أما الابن، صاحب مجزرة الكيماوي بالغوطة عام 2013، والقصف العشوائي والبراميل المتفجرة التي أودت بحياة عشرات الآلاف من السوريين، بالإضافة إلى نزوح الملايين داخليًا وخارجيًا، فقد أمعن في قتل شعبه أمام أعين العالم بلا حياء. هو من دعا الروس والفرس والزينبيين ومرتزقة العالم لافتراس شعبه بلا هوادة، فقط ليرسي قواعد حكمه.

 

عصر الأسدين، الأب والابن، راح ضحيته بحسب التقديرات قرابة 600 ألف شخص، وملايين النازحين. مما جعل بشار، بالتأكيد، سَّفَّاحًا ابن سَّفَّاح. فهل تثبت الجينات الدموية صحة نسب بشار لأبيه؟ أم أنه فقط أمعن في الدموية لنفي تلك التهمة الشنيعة التي التصقت بنسبه؟ ولعل تلك التساؤلات لم تكن الوحيدة المحيطة بحياة بشار الأسد، بل إن أبرزها بعيدًا عن الشائعات يظل ذلك التحول الخطير من طبيب عيون أبعد ما يكون عن السلطة والحكم، إلى جزار وديكتاتور سَّفَّاح، وكيف تُحول السلطة النفوس والعقول والأشخاص.

 

ربما توافقت نهايتي حافظ الأسد وستالين، ولكن نهاية بشار ودولته البعثية هي النهاية المحتومة بالتأكيد لكل الأنظمة الدموية والدكتاتورية، مهما طال بها الزمن، فالشعوب المقهورة لن تتوقف مكتوفة الأيدي عند حد إطلاق الشائعات والنكات وفقط، بل إن ثورتها ستطال كل سَّفَّاح ابن سَّفَّاح مثل بشار، حتى وإن أنكرنا الشائعات التي ادعت أنه ابن سِفَاح، فسلاح الضعفاء دائمًا ما يخطو خارج حدود الأدب.

logo%20samih%20mabrok2.png
  • White LinkedIn Icon
  • White Facebook Icon
  • White Twitter Icon
  • White Instagram Icon
bottom of page