top of page

جديد وحصري

جديد وحصري

تخفيف أحمال

 ١تخفيف أحمال.jpg

سامح مبروك يكتب "تخفيف أحمال" من سلسلة ترندات وتوباكو*.

  • إلى متى الصبر على هذا الوضع المذري؟ إلى متى يستمر هذا الخنوع والخضوع؟ إلى متى نعطي الدنية في أقل حقوقنا؟ أليس منكم من له كرامة؟ أليس منكم من عنده نخوة؟ أليس منكم من يرفع رأسه في وجه الظلم والجبروت وينادي بأبسط الحقوق؟

 

هكذا كان ينهق جحشٌ فتيٌ في مجموعة أخرى من رفاقه في إحدى المزارع العريقة في بلد منسية لم يأت على ذكرها كتاب من كتب التاريخ أو خريطة خطت في علم الجغرافيا، "والجحش هو الحمار الذي تخطى مرحلة المراهقة واستهل أولى مراحل النضج والأعمال".

 

وصادف نهيقه هذا آذان فهر عجوز "والفهر هو الحمار العجوز الذي أوشك على التقاعد" فنهق فيه بحدة:

  • أليس منكم حمار رشيد؟ يُعلي فريضة الحمد لله على ما أنعم به علينا من يسر العيش والاستقرار؟ ويشكر لسادته النوم الهانئ الآمن، والمأكل الحلال، وراحة البال؟ ألم ينظر أي منكم لحال المزارع المجاورة؟ ألا يستحق مالك هذه المزرعة منا قضاء كل الوقت في خدمته وشكره على ما حبانا به من محبة وعطف يصل حد الأبوة؟ ألا يستحق منا أن نستغل هذا الوقت في العمل لخدمته بدلًا من هذا الهراء والحزق الفارغ؟

 

هنا تداخل في الحوار شنتيرٌ من أهم الحمير "والشنتير هو الحمار الناضج العاقل الذي يُقبل على أولى مراحل الهِرم" ونهق بصوت جهوري:

  • حسبك أيها الحمار العجوز، عن أي هناء وراحة تتكلم؟ أتحيا حياة غير تلك التي نقاسيها؟ ألم ينحني ظهرك من تلك الأحمال التي ننقلها يوميًا ولا ننال منها ولا حتى الفتات؟ فقد حق علينا القول كمثل الحمار يحمل أسفارًا، لقد استنفذت فرصك في الحياة، دع المستقبل يحدده من يعيشه وحسبك في أيامك المتبقية أن تنعم برفاهيتك المزعومة تلك.

 

هنا نهق جحش آخر كان الحماس قد تملك منه؟

  • لا أحمال بعد اليوم، لا أحمال بعد اليوم.

 

فتعالى نهيق الحمير في المزرعة بالهتاف ذاته، وكان أحد كلاب الحراسة على مقربة من ذلك التجمع، فشهد ما كان من نقاش الحمير، فقضم ذيله بين أسنانه، وراح يهرول بسرعة نحو سيده مالك المزرعة، وبعد لحظات كان يقص عليه ما كان مما أسماه ثورة الحمير، فاندهش سيده مما كان وانزعج كثيرًا، وراح يذرع جيئة وذهابًا ويحدث نفسه والكلب إلى جواره يلهث من الرعب:

  • تبًا لهم حثالة الكلاب.

 

فزام الكلب إلى جوار سيده وتحول خوفه إلى غضب، فتململ السيد من كلبه وتحدث من جديد:

  • أقصد أولئك الأوغاد ناكري الجميل، كيف لهم وقد كنت لهم بمثابة الأب الذي يحنو عليهم طوال الوقت؟ كيف لهم أن يجحدوا ما مننت عليهم به من نعم؟ لقد آويتهم في مزرعتي ومزرعة أجدادي، ووفرت لهم المأكل والمشرب والمنامة والأمان، والآن يتحدثون عن الأحمال؟ أهكذا يكون رد الجميل؟

 

فزام الكلب من جديد ونظر إلى سيده شذرًا فتردد سيده وقال:

  • نعم أعلم أن مسؤوليات المزرعة كبيرة، وقد حدثتهم من قبل أننا مقبلون على منحدر غاية في الصعوبة والأهمية، ومعًا يجب أن نعمل بجد حتى تصبح مزرعتنا من أهم مزارع البلدة، ويجب أن نصبر ونتجاوز هذه الفترة معًا، أعلم أن الحمير تقع عليهم مهمات كثيرة، فهم ينقلون الأحمال من وإلى الحقل مرتين في اليوم، ويحملون الأكل من مدخل المزرعة إلى حظيرة الحيوانات ثلاث مرات باليوم، ويعودون بمنتجات الحظيرة مرة كل صباح، ويجرون عربات العائلة إلى ومن السوق، بالإضافة إلى استخدامهم في التنقل في المزرعة وخارجها، ونقل الأبناء إلى المدارس والمنتزهات مرة كل يوم، ونقل السيدة إلى صديقاتها والمزين والتسوق مرة كل يوم، والتزامهم بسباقات الحمير التي نفعلها مرة واحدة في الأسبوع للترفيه عن الأسرة والجيران، وبعض المهمات الأخرى البسيطة التي لا ذكر لها. هذا لا شيء، تلك هي الأحمال التي يتحدثون عنها، تبًا لهم، حقًا حمير، ولكن لابد لي أن أتصرف بحكمة، فالحمير كائنات شديدة العند.

 

وبعد تفكير عميق ووقت امتد حتى كاد يغالب الكلب النعاس وهو باسط ذراعيه بين يدي سيده، هتف سيده فيه فأفزعه وقال:

  • اذهب لهم أيها الكلب، وأخبرهم أن أباهم وسيدهم ليس ببعيد عنهم، إنما هو واحد منهم، يشعر بما يشعرون، ويعاني مما يعانون، أخبرهم أني قررت تخفيف الأحمال عنهم، والاقتصار على تحميل الأكل للماشية من مدخل المزرعة إلى الحظيرة مرة واحدة في الصباح بدلًا من ثلاث مرات، والعودة في نفس المرة بمنتجات الحظيرة، والاستغناء عن مرتين من نقل وجبات الحظيرة، والله الموفق والمستعان.

 

رفع الكلب حاجبيه مستغربًا من قرار سيده الذي نهره وقال له: 

  • ماذا تنتظر أيها الكسول، باقي المهمات التي تقوم بها الحمير لا غنى عنها، اذهب لهم في الحال لوأد الثورة في مهدها.

 

فهرول الكلب من جديد إلى وسط المزرعة فوجد الحمير مازالوا على عصيانهم في وسط المزرعة، فخطب فيهم بما لقنه سيده، فتعالى نهيق الحمير، بالفرح والسرور، والدعاء للسيد الأب العطوف، وراحت الحمير تتقلب على الأرض وتحك ظهورها في التراب فرحًا بهذا النصر المبين.

 

وفي اليوم التالي صارت الأمور على ما قدر لها من صاحب المزرعة، وكانت نشوة النصر ما زالت تغمر الحمير، فكانوا يؤدون أعمالهم على أكمل وجه دون، تقصير، واستمر الحال لشهر يتيم، حتى فترت عزيمة الحمير ووجدوا أنهم لم يحصدوا مما زرعوا الكثير، بل أن الأحمال والأعمال زادت من مشاوير السوق لتعويض نقص إنتاج حيوانات الحظيرة.

 

وبالتدريج ومع استمرار قلة إمداد بهائم الحظيرة بالغذاء تراجعت أحوالهم، وتحولت سكينتهم وهدوئهم السابق إلى غضب وصل حد الجنون، مما دفع بعض الحمير لتسميته بجنون البقر، حتى أنهم كانوا يخافون الذهاب إلى الحظيرة تلك المرة اليتيمة لنقل الوجبة الوحيدة يوميًا، من عصبية الحيوانات نتيجة فرط الجوع.

 

وسرعان ما انتشرت الأوبئة بشكل عظيم، وانتقلت الأمراض من الحظيرة إلى باقي حيوانات المزرعة واستيقظ مالك المزرعة ذات صباح على نباح كلبه أمام الباب، ليخرج فيجد أسوار المزرعة مكسورة، فقد هج من كان به طاقة من البهائم فرارًا، ومات من لم يستطع النجاة.

* ترندات وتوباكو هي مقالات في هيئة قصص قصيرة مستوحاة من ترندات فضاء المنصات الاجتماعية ولا تمثل أي شخصيات أو أحداث حقيقية.

logo%20samih%20mabrok2.png
  • White LinkedIn Icon
  • White Facebook Icon
  • White Twitter Icon
  • White Instagram Icon
bottom of page